ولما أوقع الله ببني أسد وفزارة ما أوقع ببزاخة بث خالد السرايا ، ليصيبوا من قدروا عليه ممن هو على ردته . وجعلت العرب تسير إلى خالد ، رغبة في الإسلام وخوفا من السيف .
فمنهم من أصابته السرية فيقول : جئت راغبا في الإسلام وقد رجعت إلى ما خرجت منه .
ومنهم من يقول ما رجعنا ، ولكن منعنا أموالنا ، فقد سلمناها ، فليأخذ منها حقه .
ومنهم من مضى إلى أبي بكر ولم يقرب خالدا .
ثم عمد خالد إلى جبلي طيئ - أجأ وسلمى - فأتته عامر وغطفان يدخلون الإسلام ويسألونه الأمان على مياههم وبلادهم . وأظهروا التوبة . وأقاموا الصلاة . وأقروا بالزكاة .
فأمنهم خالد . وأخذ عليهم العهود والمواثيق لتبايعن على ذلك أبناءكم ونساءكم آناء الليل وآناء النهار .
وبعث بعيينة إلى أبي بكر مجموعة يداه في وثاقه فجعل غلمان المدينة ينخسونه بالجريدة ويضربونه . ويقولون أي عدو الله أكفرت بالله بعد إيمانك ؟ فيقول والله ما كنت آمنت بالله قط .
وأخذ خالد من بني عامر وغيرهم من أهل الردة - ممن بايعه على الإسلام - كل ما ظهر من سلاحهم واستحلفهم على ما غيبوا منه فإذا حلفوا تركهم وإن أبوا شدهم أسرى حتى أتوا بما عندهم . فأخذ منهم سلاحا كثيرا . فأعطاه أقواما يحتاجون إليه في قتال عدوهم وكتبه عليهم ثم ردوه بعد .
وحدث يزيد بن أبي شريك الفزاري عن أبيه قال قدمت مع أسد وغطفان على أبي بكر وافدا ، حين فرغ خالد منهم . فقال أبو بكر " اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية . فقال خارجة بن حصن هذه الحرب المجلية قد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . وأن تردوا علينا ما أخذتم منا ، ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم . وأن تدوا قتلانا ، كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها . ولا ندي قتلاكم . ونأخذ منكم الحلقة والكراع وتلحقون بأذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم أو يرى منكم إقبالا لما خرجتم منه . فقال خارجة نعم يا خليفة رسول الله . فقال أبو بكر : " عليكم عهد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار . وتعلمون أولادكم ونساءكم ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم . قالوا : نعم " قال عمر يا خليفة رسول الله كل ما قلت كما قلت ، إلا أن يدوا من قتل منا ، فإنهم قوم قتلوا في سبيل الله . فتتابع الناس على قول عمر . فقبض أبو بكر كل ما قدر عليه من الحلقة والكراع فلما توفي رأى عمر : أن الإسلام قد ضرب بجرانه . فدفعه إلى أهله وإلى ورثة من مات منهم .